
تسقط الأمطار على أهالي غزة في العراء كملح على جراحهم المفتوحة، فالأمطار التي يرفع الناس أكفهم فرحا بقدومها، يختلف وضعها تماما في غزة اليوم، فهذه الأمطار تجلد الغزيين في العراء والذين لا يملكون للتستر منها سوى أكوام من الأوجاع والمآسي والمرارات وما تبقى فيهم من صبر.
فهطول الأمطار على الغزيين في العراء ليس إلا غيضا من فيض مصابهم الكبير، ولن يزيد تلك العذابات إلا وجعا وقهرا، تماما كالعود الذي ينبش في جرح نازف، فلا هو بمعالجه ولا هو بتاركه ليندمل بمفرده.
وقد قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن الأمطار الغزيرة، فاقمت الأوضاع الصعبة للنازحين في كثير من المناطق بقطاع غزة في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية على مناطق متفرقة من القطاع، حيث يعشوا هؤلاء المدنيين اليوم بين ألسنة النقمة الملتهبة وبرد الشتاء القارس.
اليوم تٌمطر سماء غزة صواريخ وقذائف فتحرق وتدمر وتطمر وتميت وتدمي، وتدر غيومها أيضا فيضا من الأمطار، قد يترآى للمشاهد من بعيد أنها قد تطفئ شيئا من لهيب الوضع وحرقة القلوب، لكن المشهد مختلف تماما لمن يقبع تحت سماء غزة ويستقبل بجسد عار غزارة عطاء غيومها، فالأمطار التي هي في الحقيقية علامة للخصب والخير لا يستبقلها أهل غزة بنفس تحمس باقي الناس، لأنهم ببساطة يقبعون في العراء تجلدهم الأمطار وتصفر الرياح الباردة في خيامهم الممزقة الوهنة وتزيد من إحساسهم بالألم.
فتحت خيمة عتيقة، ترتجف طفلة فلسطينية يخترق البرد عظامها الرقيقة، يعزف الريح والمطر سيمفونية محزنة من حولها.
تغلق الطفلة عينيها وتتكور على نفسها وكأنها تبحث في ثنايا جسدها الصغير الضعيف على بقعة دفء تائهة تستمد منها معنى الحياة، وتحاول طرد البرد من حولها، فتأتي أصوات الغارات على تخومها فجأة، فتدرك أنها عليها أن تفر من التفكير في القصف إلى محاربة البرد محاولة تجاهل أصوات الغارات المخيفة بذلك، لتتدلى بذلك هذه الطفلة على مصلبة الظلم والصمت في مشهد يدمي