الذكاء الاصطناعي في الأزمات الإنسانية.. أداة فعالة بين الفرص والتحديات

مع تصاعد الأزمات الإنسانية الناتجة عن النزاعات المستمرة، والتغيرات المناخية، والأوبئة، والنزوح الجماعي، أصبح من الضروري تبني تقنيات مبتكرة لتعزيز الاستجابة الإنسانية. في هذا السياق، أصدرت مؤسسة أوبزرفر للأبحاث (ORF) تقريرًا حديثًا تناول الدور المتزايد للذكاء الاصطناعي في إدارة الكوارث والاستجابة للأزمات، مع تسليط الضوء على فوائده وتحدياته الأخلاقية والعملية.
تقرير ORF: الذكاء الاصطناعي كأداة للاستجابة الإنسانية
في تقريرها الصادر في 6 مارس بعنوان “الذكاء الاصطناعي في المهام الإنسانية: الفرص والتحديات”، أكدت مؤسسة أوبزرفر للأبحاث أن الذكاء الاصطناعي أصبح أحد الحلول الفعالة في تسريع الاستجابة الإنسانية، وتحسين توزيع الموارد، ودعم عمليات صنع القرار القائمة على البيانات.
وأوضح التقرير أن خوارزميات التعلم الآلي تمتلك القدرة على تحليل المعلومات في الوقت الفعلي بدقة عالية، حيث تعتمد على مصادر متنوعة، مثل بيانات الأقمار الصناعية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وأجهزة الاستشعار الميدانية، مما يسهم في التنبؤ بالكوارث، وتحديد الفئات الأكثر ضعفًا، وتنسيق جهود الإغاثة بفعالية.
وأشار التقرير إلى أن تقنيات معالجة اللغة الطبيعية تساعد في تحليل المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي والبيانات الجوية، ما يتيح إنشاء خرائط لحظية لمناطق الكوارث، مما يمكن فرق الطوارئ من التحرك بسرعة نحو المواقع الأكثر تضررًا.
دور الذكاء الاصطناعي في الاستجابة للكوارث
استعرض التقرير أمثلة عملية على استخدام الذكاء الاصطناعي في الأزمات، مثل دوره خلال جائحة كوفيد-19، حيث ساهم في التنبؤ بمناطق انتشار الفيروس، وتحسين عمليات التشخيص باستخدام تقنيات تعتمد على البيانات الضخمة، مما عزز سرعة ودقة الاختبارات. كما أشار إلى إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين تخصيص الموارد، وتعزيز الاستعداد للكوارث، ووضع استراتيجيات تعافٍ أكثر كفاءة.
وأضاف التقرير أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يلعب دورًا رئيسيًا في توقع المخاطر المستقبلية، حيث يعتمد على تحليلات تنبؤية قائمة على نماذج إحصائية وبيانات حديثة، لتحديد احتمالات الكوارث الطبيعية، أو تحركات اللاجئين، أو تفشي الأوبئة. وضرب مثالًا بمشروع “جيتسون” التابع لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الذي يستخدم البيانات المتعلقة بأسعار السوق، ومستويات الأنهار، وأنماط هطول الأمطار، لمتابعة النزوح القسري في الصومال.
الذكاء الاصطناعي في عمليات التعافي ولمّ شمل الأسر
إلى جانب الاستجابة السريعة، أشار التقرير إلى دور الذكاء الاصطناعي في جهود التعافي، مثل تعقب العائلات التي انفصلت أثناء النزاعات، حيث استشهد بمبادرة “تتبع الوجه” التي أطلقتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي تعتمد على تقنية التعرف على الوجه لمساعدة اللاجئين في العثور على أفراد أسرهم الذين تفرقوا بسبب الأزمات.
التحديات والاعتبارات الأخلاقية
ورغم الفوائد العديدة، نبّه التقرير إلى أن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في العمل الإنساني يثير تحديات تتعلق بجودة البيانات، والتحيز الخوارزمي، وحماية الخصوصية، والاعتماد المفرط على الأنظمة المؤتمتة. وأوضح أن البيانات غير الدقيقة قد تؤدي إلى قرارات خاطئة، مستشهدًا بتجربة زلزال هايتي عام 2010، حيث واجهت أنظمة التقييم بالذكاء الاصطناعي صعوبات في الدقة، بسبب استنادها إلى بيانات زلازل حدثت في دول ذات بنية تحتية مختلفة.
خلص التقرير إلى أن الذكاء الاصطناعي يمثل أداة قوية لتعزيز الاستجابة الإنسانية، لكنه يتطلب توظيفًا مسؤولًا يوازن بين الابتكار والاعتبارات الأخلاقية. وأكد أن تعزيز التعاون بين مختلف الجهات الفاعلة، واعتماد سياسات ذكاء اصطناعي مسؤولة قائمة على الشفافية والمساءلة، يمكن أن يضمن حلولًا إنسانية فعالة تحترم مبادئ العدالة والإنصاف، وتسهم في تخفيف معاناة المتضررين من الأزمات.